Thursday, January 24, 2019

المسرح "ينقذ" نساء مررن بتجارب تحرش ولجوء وفقدان ذاكرة

امرأة يمنيّة ومصريتان يجمعهنّ مشهد مسرحي تشتكي فيه "سناء" من أستاذها الجامعي الذي "يستغلها ويبتزها" لمجرد أنها أنثى.
في ذاك المشهد، تذهب "سناء" إلى أستاذها في مكتبه الذي يحاول التقرب منها جسديا، حتى أنه طلب منها أن تفتح النافذة وهو ينظر إلى جسدها ويتغزل به.
في تلك اللحظة تصيح إحدى النساء من جمهور المسرح " ".
إلهام وسناء وليلى لا يحترفن التمثيل، لكنهن يحاولن التعبير عن هموهن وقلقهن بمشاركة أخريات من السودان وسوريا.
تخوض نساء عربيات تجربة تبدو في ظاهرها تمثيلا وأداء حركيا محترفا، لكنها في الواقع تجربة فنية نفسية يردن بها أن تكون تفاعلية مع الحضور، بدعم من مؤسسة "دوار"، وهي موسسات مصرية معنية بالعلاج بالفن.
هذا النوع من المسرح وسيلة فنية تتيح ارتجال مشهد ما يحوي أزمة حياتية حقيقية أمام حضور من الناس، وفي لحظة معينة يختارها أي من أفراد الجمهور يقول "قف" أو " " وهنا يترك الشخص مقعده ويذهبإلى خشبة المسرح ليعيد تمثيل نفس المشهد ولكن من وجهة نظره محاولا مشاركة صاحب المشهد الحقيقي رأيه وبدائله في حل أزمته.
في ذاك المشهد الذي يتحرش فيه الأستاذ بطالبته، كانت "زينب" هي المرأة التي تخلت عن مقعدها وقررت الانخراط في المشهد بمشاعرها الشخصية جدا.
أعادت الحوار بينها وبين الأستاذ وأخذت ترد عليه وتنظر في عينيه بقوة وكأنها تقول له "لا. لا تنظر إلي هكذا"، ثم رفضت أن تجلس على مقربة منه وحركت كرسيها من مكانه وأخيرا قالت له بكل جرأة: "لن أفتح النافذة"، فما كان من الأستاذ الجامعي إلا أن ارتبك وأصبح في موقف محرج.
تحدثت "زينب" لبي بي سي عن تجربة تحولها من مشاهدة إلى مشاركة، وقالت: "شعرت أنني أتعاطف مع سناء، فكلنا كنساء يمكن أن نتعرض لمثل هذا الموقف. وجدت نفسي أريد أن أطرح حلولي معها وجها لوجه كي أفرّج عن همومي أنا أيضا".
لذا يعد "مسرح المنتدى" وسيلة للفضفضة والبوح وكشف المخفي للوصول إلى ما يعرف نفسيا بـ " لحظة الحرية النفسية" التي يشترك فيها الجميع لإيجاد حل.
من ضمن النساء اللاتي شاركن بارتجال قصصهن لاجئات قادمات من اليمن أو سوريا أو السودان، سافرن إلى مصر ليبدأن حياة جديدة، واخترن مع مصريات خوض تجربة "مسرح المنتدى" لتنفيس الضغوط التي يتعرضن لها بالفن. تحدثت النساء كثيرا عن التحرش الذي تعرضن له والاستغلال الجنسي.
إلا أن معاناة أخريات كانت مختلفة.
تركت " أمل خير" بلدها السودان بعد معاناتها مع "سرطان الثدي" ووصلت القاهرة للعلاج، وقالت لـ بي بي سي: "جئت إلى مصر وأنا مهزومة نفسيا وعضويا. السرطان دمر حياتي. سلبني راحة البال والجسد. وخلال رحلة علاجي هنا في مصر تعرفت على ورشىة مسرح المنتدى التي شجعتني على مشاركة آلامي والاعتراف بالمرض فوجدت في مشاركة النساء من حولي تعاطفا وسندا من الصعب العثور عليه في حياتي اليومية الاعتيادية".
أما المصرية "سناء"، بطلة المشهد المرتجل، فوصفت مشاعرها بعد انتهاء العرض بأنها لأول مرة تشعر بأنها "ليست وحدها" بل هناك نساء من كل الثقافات العربية شاركن نفس الهم والضغط الاجتماعي وتمنت لو أن "مسرح المنتدى" يصبح روتينا أسبوعيا للحكي والمشاركة حتى تتخلص أولا بأول مما تعانيه.
واليمنية إلهام تقول إن تجربة مغادرة بلدها لم تكن هينة أبدا ولم يكن لديها فرصة حقيقية لمشاركتها مع آخرين "فلا أحد يهتم" بذلك، لكن شركاءها في "مسرح المنتدى" تفاعلوا معها وتعاطفوا.
بدأت فكرة هذا المسرح على يد البرازيلي أوجيستو دو بوال في منتصف الستينيات وكانت انطلاقته الأولى في بيرو ثم انتشر في أنحاء أمريكا اللاتينية، وكان يستخدم بهدف تشجيع الناس على التشارك فيما بينهم كمواطنين لإيجاد حلول لقضاياهم الاجتماعية وخلافاتهم السياسية بعيدا عن دوائر الزعماء والأحزاب.